رسالة مفتوحة للشمس

 

 

لماذا كلما حاولنا خلق مدينة تسع أحلامنا الصغيرة نحرقها؟ كأننا اعتدنا على فكرة نيرون في حرق المدن، أتدرين.. الأشياء الأكثر شيوعا هي الأقل خفقاً، أيها المجهول الذي يوقد شمعته في ممر أغنيتي قريبا مني، هذا الرصيف الذي يطل على جسدي، كنت أقف عليه قبل ثلاثين حزن، وكنت رافعا يدي للريح، فقد تمنحني امرأة ناضجة للفرح، أو تأخذني معها لحقل صدرها، كبر ابن الثلاثين، أصبحت الآن أوسع حزنا وأكثر وسامة، أصبح عمري لا يتجاوز الثانية والعشرين.

 

لكن مازلت أخرج جسدي وأنفضه، مازلت أضعه للشمس، وحين ينتهي فصل الضوء، أعيده مطوياً إلى رفه، صرت أعيد ترتيب ذاكرتي، وحين أحس بثقلها أحزم أقرب نوبة صمت، وأذهب في جولة إلى لا مكان، قد أكون بالنسبة للآخرين الصورة التي مرت يوماً من طريقهم، لكني أدركت متأخراً، أني حين خرجت من المشفى مرضت أكثر، وحين بالغت في إقامتي في هذا الجسد، أصبح يعرف تفاصيلي، وصرت أجهله.

 

حين عدت قبل مدة من السودان، فتحت حقائبي، لكني وجدت النيل الأزرق قد تسرب إليها، وجدت امرأة تعيد أطفالها من النهر مبللين بالغيم، ووجدت تمثالاً من شجر الأبنوس كنت ابتعته، قد تحرك من مكانه، وغير من جلسته قليلاً، يبدو أن لكل بلاد مفرداتها وشكلها، الشجر الذي خرج من غابة هناك، كان مشحونا بالأغاني والطبول الأفريقية، لكن هذه الشجرة، أقصد الشجرة التي ترتاح عند نافذتي، تتسلل خلسة وتجس نبض جارتي، لكنها سرعان ما تخفي نفسها خجلاً، كنت أراقبها، أجدها ترقص وتحلم وتتنفس، وحين تتململ من مكانها تغيره قليلا، كي لا تحس الأرض بالفارق، أو كي لا تغير من اتزانها كثيرا، فهل كنت أسترق النظر إلى السيدة شجرة؟ نعم.. كانت تخرج من حمام المطر عارية.. والله عارية تفوح عنها رائحة الشهوة وفعل الحب.

 

قد لا أجد رسالة أفتحها في بريدي، هي أمور صرت أعرفها كثيراً، وصرت في أكثر الأحيان أهرب من رسالة تدخل بابي على استحياء، ثم تذهب دون أن تلقي عذرا على الرحيل، صرت أدرك أن الأشياء الكاملة هي الأشياء الميتة، لذلك رددت على المجهول الذي يسكن هناك، ربما قرب نافذة تطل على شجرة، ليعرف أن للأشجار طريقتها في الموت أو الحياة.