البعضُ من سيرةِ غريبٍ يحمل وطن

بقلم : هناء مرهون

 (1)

 

" للمجانين أسِرّة من ريشِ نعامٍ أخضر "

 

لم تكن عبارة لأحد المفكرين بل كانت أغنية أحدهم وهو يغادر عتبات الوقت شيئاً فشيئاً يُضمر في رئتيهِ حُب كبير .

لا يتسع الفضاء البرتقالي النزعة لأن أحرك فيه غباري وزغب الأمس وأرتب فيه معاني النرد والصدف الرقمية وأبدء بتوشيح هذا الكون بتراتيلٍ صوتية تُفضي إلى معنى ما ، فهو وبكل صراحة أخبرني أن لا معنى يمكن الإتيان به في ظل نظام من اللامعنى . 

كان يغسل يديه بعد كل حديث وينظف زوايا وجهه القديم ، ويبدأ في تعزية الوقت الذي يضيع في المعنى ، لم أكن أحسب المعاني ، وظننت أنني في نظام من اللامعنى لكني أدركت بعد الإنتهاء أنه يتحدث .

 

(2)

 

" للمجانين أغاني يعشقونها ، يرقصون على اثرها ، ويبقى الناي لوحده جسد بارد لم تُدفئه شفاهٌ بعد "

يمرُ هكذا من دون طيفٍ يُذكر ، فأخشاه وكأنه خليطٌ من الأرواح الشيطانية والملائكية والجن والإنس ... و جميع المخلوقات والهمسات والأصوات وحينما ينهك يطوف على الحوض سبعة أشواط ويهدأ مبصراً وجهي كما يريد أن يراه .

 

(3)

 

" للمجانين سماء أخرى و فضاء ، فلا تحسبن السماء سماء حينما ينظر إليها مجنون "

سذاجة من وجهي أن يحاول تكوين سماء له ، ولا نصف غيمة أيضاً  ، لأني لاأزال أذكر تلك المحارة التي قَبَلَها ثم أسرَّ لي في قلبي قائلاً آمنت بهذه السماء .

لم أكن لئؤمن بهذه السماء ولم يكن ليقنعني بهذا القول فلست ممن يعتقد أن الجزء سماء ، ولم أدرك إلا بعد فترة طويلة أنني لا أبصر إلا حفنة صغيرة من السماء وهو يبصرها كاملة في محارة !

 

( 4 )

 

" ينظر ، ويفكر ، ثم يضحك ويتركك منتصباً أمامه أو صاغراً "

أرحبُ بعريقٍ يغضبني دائماً أو يجعلني من زمرة المبهورين، فلا تعرفني أي جهة ولا تقترب مني أي زاوية لألتصق بها وأؤكد لنفسي أنني أستطيع الحديث ، كان الصمت فقيه المعنى كما يقول شاعرنا العريق ، جميل جداً أن تنظر إليه وفي عينيه قرناً  من المسافات البعيدة لكن الأجمل حينما تبدأ في طلب الإستئذان للدخول عليه .

 

( 5 )

 

" الذي يفتح الوطن ، ثم يمشي إليه بخطوات من الغربة "

 كائن بطعم التقصي ، ولذة التجلي  ، كان كلما خطى خطوة نفث فيها من قطع الغربة حتى انتشت المدن وتهافتت من تحته الأوطان ، لكنه أحتفظ بنفسه ووزع على الأوطان جسده ومضى بثيابه رجل طاهر وبقي الوطن امرأةٌ عارية .