(1)
" للمجانين أسِرّة من ريشِ نعامٍ أخضر "
لم تكن عبارة لأحد المفكرين بل كانت أغنية أحدهم
وهو يغادر عتبات الوقت شيئاً فشيئاً يُضمر في
رئتيهِ حُب كبير .
لا يتسع الفضاء البرتقالي النزعة لأن أحرك فيه
غباري وزغب الأمس وأرتب فيه معاني النرد والصدف
الرقمية وأبدء بتوشيح هذا الكون بتراتيلٍ صوتية
تُفضي إلى معنى ما ، فهو وبكل صراحة أخبرني أن لا
معنى يمكن الإتيان به في ظل نظام من اللامعنى .
كان يغسل يديه بعد كل حديث وينظف زوايا وجهه
القديم ، ويبدأ في تعزية الوقت الذي يضيع في
المعنى ، لم أكن أحسب المعاني ، وظننت أنني في
نظام من اللامعنى لكني أدركت بعد الإنتهاء أنه
يتحدث .
(2)
" للمجانين أغاني يعشقونها ، يرقصون على اثرها ،
ويبقى الناي لوحده جسد بارد لم تُدفئه شفاهٌ بعد "
يمرُ هكذا من دون طيفٍ يُذكر ، فأخشاه وكأنه خليطٌ
من الأرواح الشيطانية والملائكية والجن والإنس ...
و جميع المخلوقات والهمسات والأصوات وحينما ينهك
يطوف على الحوض سبعة أشواط ويهدأ مبصراً وجهي كما
يريد أن يراه .
(3)
" للمجانين سماء أخرى و فضاء ، فلا تحسبن السماء
سماء حينما ينظر إليها مجنون "
سذاجة من وجهي أن يحاول تكوين سماء له ، ولا نصف
غيمة أيضاً ، لأني لاأزال أذكر تلك المحارة التي
قَبَلَها ثم أسرَّ لي في قلبي قائلاً آمنت بهذه
السماء .
لم أكن لئؤمن بهذه السماء ولم يكن ليقنعني بهذا
القول فلست ممن يعتقد أن الجزء سماء ، ولم أدرك
إلا بعد فترة طويلة أنني لا أبصر إلا حفنة صغيرة
من السماء وهو يبصرها كاملة في محارة !
( 4 )
" ينظر ، ويفكر ، ثم يضحك ويتركك منتصباً أمامه أو
صاغراً "
أرحبُ بعريقٍ يغضبني دائماً أو يجعلني من زمرة
المبهورين، فلا تعرفني أي جهة ولا تقترب مني أي
زاوية لألتصق بها وأؤكد لنفسي أنني أستطيع الحديث
، كان الصمت فقيه المعنى كما يقول شاعرنا العريق ،
جميل جداً أن تنظر إليه وفي عينيه قرناً من
المسافات البعيدة لكن الأجمل حينما تبدأ في طلب
الإستئذان للدخول عليه .
( 5 )
" الذي يفتح الوطن ، ثم يمشي إليه بخطوات من
الغربة "
كائن بطعم التقصي ، ولذة التجلي ، كان كلما خطى
خطوة نفث فيها من قطع الغربة حتى انتشت المدن
وتهافتت من تحته الأوطان ، لكنه أحتفظ بنفسه ووزع
على الأوطان جسده ومضى بثيابه رجل طاهر وبقي الوطن
امرأةٌ عارية . |